الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} لأنه المقصود ببيعته.{يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} حال أو استئناف مؤكد له على سبيل التخييل.{فَمَن نَّكَثَ} نقض العهد.{فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.{وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهِ الله} في مبايعته {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} هو الجنة، وقرئ {عهد} وقرأ حفص {عَلَيْهِ} بضم الهاء وابن كثير ونافع وابن عامر وروح {فسنؤتيه} بالنون. والآية نزلت في بيعة الرضوان.{سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب} هم أسلم وجهينة ومزينة وغفار استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم.{شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا} إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم، وقرئ بالتشديد للتكثير.{فاستغفر لَنَا} من الله على التخلف.{يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار.{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئًا} فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه.{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف، وقرأ حمزة والكسائي بالضم.{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} ما يضاد ذلك، وهو تعريض بالرد.{بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه.{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} لظنكم أن المشركين يستأصلونهم، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال.{وَزُيّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ} فتمكن فيها، وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان.{وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} الظن المذكور، والمراد التسجيل عليه ب {السوء} أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة.{وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم.{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين سَعِيرًا} وضع الكافرين موضع الضمير إيذانًا بأن من لم يجمع بين الإِيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره، وتنكير سعيرًا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة.{وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض} يدبره كيف يشاء.{يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} إذ لا وجوب عليه.{وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض، ولذلك جاء في الحديث الإلهي «سبقت رحمتي غضبي» {سَيَقول المخلفون} يعني المذكورين.{إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} يعني مغانم خيبر فإنه عليه الصلاة والسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالًا كثيرة فخصها بهم.{ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله} أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر، وقيل قوله تعالى: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا} والظاهر أنه في تبوك. والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي {كلم الله} وهو جمع كلمة.{قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} نفي في معنى النهي.{كَذَلِكُمْ قال الله مِن قَبْلُ}.من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر.{فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أن يشارككم في الغنائم، وقرئ بالكسر.{بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} لا يفهمون.{إِلاَّ قَلِيلًا} إلا فهما قليلًا وهو فطنتهم لأمور الدنيا، ومعنى الإِضراب الأول رد منهم أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات للحسد، والثاني رد من الله لذلك وإثبات لجهلهم بأمور الدين.{قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب} كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارًا بشناعة التخلف.{سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} بني حنيفة أو غيرهم ممن ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو المشركين فإنه قال: {تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ} أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإِسلام لا غير كما دل عليه قراءة {أو يسلموا}، ومن عداهم يقاتل حتى يسلم أو يعطي الجزية. وهو يدل على إمامة أبي بكر رضي الله عنه إذا لم تتفق هذه الدعوة لغيره إلا إذا صح أنهم ثقيف وهوازن فإن ذلك كان في عهد النبوة. وقيل فارس والروم ومعنى {يُسْلِمُونَ} ينقادون ليتناول تقبلهم الجزية.{فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا} هو الغنيمة في الدنيا والجنة في الآخرة.{وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} عن الحديبية.{يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} لتضاعف جرمكم.{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} لما أوعد على التخلف نفي الحرج عن هؤلاء المعذورين استثناء لهم عن الوعيد.{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهر} فصل الوعد وأجمل الوعيد مبالغة في الوعد لسبق رحمته، ثم جبر ذلك بالتكرير على سبيل التعميم فقال: {وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} إذ الترهيب ها هنا أنفع من الترغيب، وقرأ نافع وابن عامر {ندخله} و{نُعَذِّبُهُ} بالنون. اهـ.
|